المادة    
الشرح:
يقول رحمه الله: [وأما أعداؤهم ومن سلك سبيلهم من الفلاسفة وأهل البدع] أي: أعداء الأنبياء والرسل، قال: [فهم متفاوتون في جحدها وإنكارها] أي: في جحد وإنكار الأصول الخمسة، وهي: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، قال: [وأعظم الناس لها إنكاراً الفلاسفة ].
فـالفلاسفة هم أعظم الناس إنكاراً لهذه الأصول، وهم أبعد الناس عن الإيمان بالله تبارك وتعالى.
وإذا أردنا أن نرتب المنتسبين إلى الإسلام، والذين يدعون الإسلام بحسب منزلتهم من الكفر، وبحسب درجة بعدهم عن حقيقة الدين، فإن أبعد الطوائف وأكفرها جميعاً هي طائفة الفلاسفة، وكفرهم كفر محض؛ لا يخالطه إيمان، وإنما قد يصانعون أهل الإسلام، فيدَّعون شيئاً من الإيمان، أو يقربون بين الفلسفة والإسلام.
ثم تأتي بعد هذه الطائفة في الكفر طائفة الباطنية، والتي هي أقرب الطوائف شبهاً بـالفلاسفة، ولهذا نجد أن الفلاسفة ينتسبون إلى الباطنية، فمثلاً نجد أن ابن سينا، ونصير الكفر الطوسي، هما من الباطنية في الأصل، إلا أنهما ينتسبان إلى الفلسفة ويدينان بها، وبالتالي فيسهل على هؤلاء أن يدعوا أنهم من أهل الإيمان ومن أهل الإسلام، وقد يخفى أمرهم وحالهم على الناس.
والباطنية فرق كثيرة مثل: الإسماعيلية، والبهرة، والنصيرية، والدروز، والقرامطة، وقد يسمى الجميع قرامطة، وقد ظهرت منهم فرق كثيرة، مثل الخرمية أتباع بابك الخرمي، وغيرهم من الطوائف التي ظهرت تحت أسماء كثيرة، وهم لا يؤمنون ولا يدينون بالإسلام، لكنهم يتمسحون به ويدعونه.
وكتابهم الذي يؤمنون به وهو أصل وأعظم كتبهم هو كتاب: رسائل إخوان الصفا، ومن نظر في هذا الكتاب ظهر له فيه الفلسفة اليونانية مركبة على الإيمان بمبادئ أرسطو، ومن هنا عرفنا أنهم أقرب الناس إلى الفلاسفة، وأبعد الناس عن الإسلام، فدينهم في الحقيقة مركب من دين الفلاسفة .
فهؤلاء الباطنية بجميع شعبهم وفرقهم هم أكفر الخلق مع الفلاسفة .
ثم بعد ذلك تأتي الجهمية الغلاة الذين ينفون جميع الصفات، ولا يثبتون شيئاً في الحقيقة، فهم معطلة لا يؤمنون بشيء، ولا يثبتون خالقاً، ومع هؤلاء أو قريب منهم الصوفية والشيعة الغلاة؛ لأن الصوفي إذا غلا أصبح باطنياً، وإذا غلا الباطني أصبح فيلسوفاً، وهذه صورة تقريبية، والشيعي إذا غلا صار رافضياً، فإذا غلا الرافضي أصبح باطنياً، فإذا غلا الباطني أصبح فيلسوفاً محضاً من أتباع الفلاسفة .
ومن هنا يظهر مقدار التقارب بين الفلاسفة والباطنية .
أما كلمة (الشيعة) فهي كلمة عامة، فلم تكن تطلق في الصدر الأول من الإسلام على من يكفر أبا بكر وعمر، فإن هذا الأمر لم يكن أي مسلم يسمعه ولا يرضى به أصلاً، إنما كان الشيعي هو الذي يفضل علياً على عثمان، وبعضهم كان يفضله على أبي بكر وعمر، وهؤلاء هم الغلاة، إلا أن الأمر تطور فيما بعد حتى ظهرت الروافض في زمن زيد بن علي -كما سبق أن ذكرنا ذلك- ثم بعد ذلك دخلتهم الفلسفة والاعتزال، ودخلهم الشرك، وبناء المشاهد والقبور وما إلى ذلك، حتى ابتعدوا جداً، ثم غلت منهم الفرق المعروفة كـالنصيرية، والإسماعيلية، فإن هؤلاء غلوا غلواً بعيداً عن الدين وعن الإسلام تماماً. وغلاة الروافض مثل غلاة الجهمية، نستطيع أن نجعلهم بدرجة واحدة، فهم لا يثبتون شيئاً مطلقاً، فكفروا بالله سبحانه وتعالى، فيكونون بذلك قد كفروا بالركن والأصل الأول من الأصول الخمسة للدين، وهو الإيمان بالله، والموجودون اليوم من غلاة الروافض، والذين يزعمون أنهم شيعة، هم في الأصل مشركون يعبدون غير الله، ويدعون غير الله؛ لأنهم جعلوا صفات الألوهية لأئمتهم ولزعمائهم.
ثم يأتي بعد هؤلاء أصحاب البدع غير المكفرة؛ كـأهل الكلام والمؤولين للصفات كـالأشاعرة وأشباههم، والزيدية، وهم أقرب فرق الشيعة إلى أهل السنة على ما فيهم، وأقرب فرق الخوارج إلى أهل السنة -على ما في الخوارج- هم الإباضية .
فهذه صورة مجملة لترتيب الناس بحسب بعدهم من الدين وبُعدهم عن حقيقته.
والشاهد: أن الفلاسفة هم أبعد الناس عن دين الأنبياء، وعن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.